إِعلَامُ الأَذكِيَاءۡ
بِجَوَازِ قَلبِ الجِيمِ يَاءۡ
تأليف
أيوب بن رشدان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه واقتفى أثره واتبع هداه، وبعد..
فيقول المفتقر إلى عفو ربه المنان أيوب بن
عيسى بن رشدان: قد عاب علي بعض الإخوان أني أبدل الجيم ياء عند التحدث معهم
واستغربوا ذلك!! مع أنها لهجة عربية فصيحة يتكلم بها كثير من أهل بلدي البحرين،
وقد عذرت هؤلاء في جهلهم بها لأنهم ليسوا من أهل بلدي، لكن أنَّى أعذر من عاب علي
التحدث بهذه اللهجة وهو من أهل بلدي؟! يقول لي: إن هذه لهجة عامية لا دخل لها
بالعربية في شئ؟!! وكأني به قد استوعب لغات العرب كلها وأتقنها وأحسنها وجودها
فعلم قياسها وحفظ سماعها حتى صار ابن منظور عصره وزبيدي وقته وسيبويه دهره!! وغاية
ما في الأمر أنه لم يعتد على هذه اللهجة فهو ذو لهجة أخرى! فادعى أن قلب الجيم ياء
ليس له أصل في اللغة! وإنما هي عامية محضة! والمرء عدو ما يجهل، ولو أنه أتعب نفسه
قليلا لوجد في كلام العرب شواهد ليست بالقليلة تدل على أن هذه لهجة من لهجات العرب
الفصيحة الصحيحة التي لا تعاب. وعلى كل حال فإني أجمع في هذه الأسطر بعضا من
الأدلة على جواز قلب الجيم ياء فأقول وعلى الله التكلان:
إن لغة العرب واسعة جدا وبها لهجات كثيرة
تدل على عظيم شأنها ومكانتها بين جميع اللغات، وقد حوى القرآن الكريم في جنباته
الكثير من هذه اللغات كما يعرف ذلك المعتنون بالقراءات المتواترة عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم، ولكن القرآن الكريم لم يستوعبها جميعها وإن أتى بكثير منها،
فلغات العرب كثيرة جدا كما لا يخفى على ذي لب باحث. فالقرآن الكريم تكلم بلغات
وأهمل أخرى فلم يستخدمها، لكن لتعلم أن عدم استيعابه لها وإهماله لبعضها لا يعني
البتة أنه يلغي التحدث بها بين الناس، فهذا غير مراد بل لم يقل به أحد من علماء
اللغة ولم يفهموه هكذا، وغاية الأمر أن اللهجة التي لم ينزل بها القرآن ولم يقرأ
بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القرآن أو لم ينزل بعض آيات القرآن بها لا يجوز
لنا أن نقرأ القرآن بها لأن القرآن يجب أن يكون مصانا في تلاوته عن الاجتهادات فهو
توقيفي التلاوة كما هو معلوم. أما في كلام الناس مع بعضهم البعض فهذا لا يشترط فيه
ما اشترطناه في القرآن والفرق واضح ظاهر لا حاجة لتوضيحه، وعليه فيجوز التحدث بأي
لغة من لغات العرب شريطة أن تكون منقولة صحيحة النقل عنهم، فلا يبتكر زيد أو عمرو
لغة هي وليدة اجتهاده الخاص!! فهذا شيء غير مقبول حتى وإن كان التحدث بها خارج
القرآن مما هو من كلام الناس، فإن قبول مثل هذه الاجتهادات في اللغة يتيح للجميع
الاجتهاد على مزاجه فلا يُدري بعد ذلك بأي لغة نتكلم! أبلغة عمرو أم بلغة زيد!!
فيختلط الحابل بالنابل، ويسقط الاستدلال بلغة القرآن ما يعني سقوط الاستدلال به،
ولا أطيل في التدليل على بطلان الاجتهاد في اللغة لظهوره.
إذا علمت ذلك فاعلم أن من لغات العرب
الفصيحة أنهم يقلبون الجيم ياء، فيقولون بدلا من مسجد (مسيد) بإبدال الجيم ياء،
قال الإمام ابن مكي الصقلي في كتابه الماتع تثقيف اللسان وتلقيح الجنان [ص
227-228] تحت باب [31- باب ما تنكره الخاصة على العامة وليس بمنكر]: "ومن ذلك
قولهم للمسجد مسيد، حكاه غير واحد إلا أن العامة يكسرون الميم، والصواب فتحها".
انتهى
ويقول صاحب هذه الأسطر: لكن عامة أهل بلدي
اليوم يفتحون ميم المسجد كما هو الصواب، فالحمد لله على ذلك.
ومثل هذا النص قولهم في شجرة (شيرة) بقلب
الجيم ياء، قال السيوطي في المزهر [2/74]: "وقد قرئ في الشاذ: {ولا تقربا هذه
الشِّيَرَة}"اهـ
قال ابن منظور في لسانه [8/24]:
"والواحد من كل ذلك شَجَرة وشِجَرة، وقالوا شِيرة فأبدلوا، فإما أن يكون على
لغة من قال شِجَرة، وإما أن تكون الكسرة لمجاورتها الياء، قال:
تحسبه بين الأكام شِيَرة
وقالوا في تصغيرها: شِيَيْرَة
وشُيَيْرَة.."اهـ وفي كتاب النخلة ص38 لأبي حاتم سهل بن محمد
بن عثمان السجستاني قال:
"وكانت أم الهيثم الأعرابية واسمها غنية تنشد:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ** فأبعدكن الله
من شِيَرَاتِ
تريد: من شجرات، إلا أن لغتها أن تبدل الجيم
ياء وتكسر الشين فتقول شِيَرَة. فقلت لها: كيف التحقير؟ فقالت: شِيَيْرَة. وقالت: بالطائف
شِيَيْرَةٌ فيها شفاء من سبعين داء تسمى: الشكاعى." اهـ
وكذا نقل القالي في أماليه [1/231] والسيوطي
في المزهر مختصرا [1/123] وابن سيده في المخصص [3/308] وفي المحكم والمحيط الأعظم
[3/242] له أيضا، قال القالي: "وكما قالوا:
شيرة للشجرة وحقّروه فقالوا: شيرة، قال الرياشي: قال أبو زيد: كنا يوماً عند
المفضّل وعنده الأعراب فقلت: أيّهم يقول شيرة؟ فقالوها، فقلت له: قل لهم
يحقّرونها، فقالوا: شييرة. وحدّثني أبو بكر بن دريد قال حدّثني أبو حاتم قال سمعت
أمّ الهيثم تقول: شيرة، وأنشدت:
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جنى ** فأبعدكن الله من شِيَرَاتِ
فقلت: يا أم الهيثم صغّريها، فقالت:
شييرة.."اهـ
والكلام على شيرة يطول يرجع فيه إلى المعاجم
إذ فيما ذكرنا الكفاية.
وأما قول ابن جني [لسان العرب8/24]:
"أما قولهم في شَجَرة شِيَرَة فينبغي أن تكون الياء فيها أصلا ولا تكون مبدلة
من الجيم لأمرين: أحدهما ثبات الياء في تصغيرها في قولهم شييرة؛ ولوكانت بدلا من
الجيم لكانوا خلقاء إذا حقروا الاسم أن يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل. والآخر
أن شين شَجرة مفتوحة وشين شِيرة مكسورة، والبدل لا تغير
فيه الحركات إنما يوقع حرف موضع حرف."اهـ
فهو ليس بشيء؛ ذلك أن التصغير إنما كان بعد
إبدال الجيم ياء فلم يحتج إلى إرجاعها لأصلها، وقد سمع ذلك فصحَّ، وأن شين شجرة
ورد فيها كما مر الوجهان إما بفتح أو بكسر، ثم إن السيوطي [المزهر 2/74] علل سبب
كسر شين شجرة عند قلب جيمها ياء بقوله: "فلما قلبوها ياء كسروا أولها لئلا
تنقلب الياء ألفا فتصير شارة؛ وهذا غريب حسن"اهـ.
فسقط بذلك الأمران اللذان بنى عليهما ابن
جني كلامه، وبقي أن الياء في شجرة منقلبة عن جيم لا هي أصل في الكلمة، والله أعلم.
ثم إن ادعاء السيوطي في مزهره [2/74] أنه:
"لم يأت جيم قلبت ياء إلا حرف واحد..والحرف الذي قلبت فيه الجيم ياء (الشيرة)
يريدون الشجرة.."اهـ
مردود بأنه نقل جواز قلب جيم مسجد ياء كما
مر معك، وكما سيأتيك من أمثلة أخرى، فمن علم حجة على من لم يعلم، وفي شرح شافية
ابن الحاجب: "وقد يبدل الياء من الجيم،
يقال: شيرة وشييرة في شجرة وشجيرة". فكأنه جعلها للمثال لا للقصر والحصر، فتأمل.
ومن الأمثلة الدالة أيضا على جواز قلب الجيم
ياء قولهم في أَزْجَم: أَزْيَم، وهو البعير الذي لا يرغو، قال في لسان العرب
[7/17]: "قال شمر: الذي سمعته بعير أَزْجَم، قال: وليس بين الأَزْيَمِ
والأَزْجَمِ إلا تحويل الياء جيما، والعرب تجعل الجيم مكان الياء لأن مخرجهما من
شجر اللسان.."اهـ
ومن الأمثلة أيضا ما ذكره ابن منظور في
لسانه [15/318]: "(يصص) في ترجمة بصص أَبو زيد يصَّصَ الجِرْوُ تَيْصِيصاً
إِذا فتح عينيه، لغة في جَصَّصَ وبَصَّصَ أَي فقَحَ؛ لأَن العرب تجعل الجيم ياء
فتقول للشجرة شيَرة وللجَثْجَاث جَثْياث، وقال الفراء: يَصَّصَ الجِرْوُ
تَيْصِيصاً بالياء والصاد. قال الأَزهري: وهما لغتان وفيه لغات مذكورة في مواضعها.
وقال
أَبو عمرو بَصَّصَ ويصَّصَ بالياء
بمعناه"اهـ
وبما أنه ذكر الجثجاث وذكر أنهم ينطقونها
جثياث فلا بأس أن نذكر معناها كما في لسانه [3/75] حيث يقول: "والجثجاث: نبات
سهلي ربيعي إذا أحس بالصيف ولى وجف، قال أبو حنيفة: الجثجاث من أحرار الشجر وهو
أخضر ينبت بالقيظ، له زهرة صفراء كأنها زهرة عرفجة طيبة الريح تأكله الإبل إذا لم
تجد غيره.."اهـ
وقد علمت أنهم يقلبون الجيم الثانية منها
ياء، فاعرف ذلك والزمه.
وفي المذكور كفاية وضح به المقصود، وبان
دليله للشهود، فبه نكتفي إذ في الإطالة سآمة، وفي السآمة شآمة..
۞۞۞
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه/ أيوب بن عيسى بن رشدان
ليلة الجمعة 7 شوال 1430هـ
بمدينة الحد – بمملكة البحرين
![]()
السلام عليكم ورحمة من الله تعالى ويمن وبركات
ردحذفأعود لمدونتك يا شيخ أيوب بن رشدان، بعد نشرها بستة عشر عامًا، وقد نهلت منها الفائدة الجمة، وجزاك الله خير الجزاء وأكرمه.
غير أني يا شيخ وجدت في قرانا من يقلب الياء جيمًا، أي على عكس ما أوردته في المدونة، فيقولون: جتيم عن اليتيم، وجابس لليابس، وجهود عن اليهود. فهل أجد عندك شاهدًا على ورود هذه اللغة عن العرب؟
لست متأكدة من وصول تعليقي إليك، لكنه أملي ورجائي، والله المستعان وعليه التكلان
جعلك الله من السالمين الغانمين.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حذفما وصفته هو أقرب شيء للعجعجة، لكن هلا قلت لي أين هي قراكم هذه؟